سيف الحدي
سيف الحدي
نعم.. المنظمات الدولية متهمة بالفساد حتى تثبت براءتها
الساعة 05:36 مساءاً

في ظل تفاقم الوضع الإنساني في اليمن كنتيجة طبيعية لتأزم الأوضاع السياسية وضعف مؤسسات الدولة فإن هذه الأوضاع أنتجت أيضاً حيزاً ملائماً لتكريس دور كائن طفيلي في جسد الدولة والشعب اليمني. هذا الكائن الطفيلي تقمص شكل الدولة في العديد من المناطق من خلال تنصيب نفسه محل الدولة في تقديم الخدمات للمواطنين حتى إننا وجدنا بعض المنظمات تفاخر إنه لولا مساهمتها لما تمكن الطفل اليمني من الحصول على وثيقة شهادة الميلاد! كذلك كان سيطرته على مؤسسات الصحة والتعليم والمياه وغيرها مما استطاعت يده أن تصله من خلال ما يسمى بالحوافز الوظيفية حتى إنهم بدأوا بصرف ما أصبح متعارف عليه محلياً براتب المدرسين!

هذا الكائن الطفيلي يتكون من ٤٧ منظمة دولية غير حكومية و١٢ وكالة أممية تقريباً وجدت بيئة خصبة في الوعي العام المتدني - للأسف - حول ما هية الدور الحقيقي المناط بهذه المنظمات القيام به وأين وكيف يجب أن تأطر هذه المنظمات أنشطتها وبرامجها حيث إنه يجب أن تنفذ برامجها وفق خطط تضعها الدولة وليس أن تتحول الدولة ومؤسساتها إلى جندي حراسة للقافلات الإنسانية أو شرطي مرور في المنافذ.

 

وبسبب هذا التدني في الوعي العام، أصبح أغلب أفراد المجتمع اليمني مرحبين بهذه المنظمات أينما وجدوها وأينما وطئت قدمها مما سهل لها فرض نفسها أمام مؤسسات الدولة وأمام المانحين كذلك كأنها الطرف الوحيد القادر على إنقاذ الشعب اليمني! ولأن أغلب أفراد المجتمع ذو وعي محدود بالشأن العام، فلقد عاشوا متوهمين إن هذه المنظمات تتبع أعلى معايير الشفافية ومكافحة الفساد والرقابة والتدقيق بينما الحقيقة هي أن المنظمات تتشدق بهذه العبارات ولكنها لا تنفذ نصف ما تقول تماماً مثل الرؤساء العرب الذين يتشدقون بالديمقراطية والحقوق والحريات لكنهم لا ينفذون ولو الجزء اليسير ما يقولون.

نماذج لفساد المنظمات الدولية:
أما بخصوص فساد هذا الكائن الطفيلي وكدليل على إنها لا تمتلك الخطط الكافية لتنفيذ إستجابة إنسانية فعالة وشفافة فإنه يمكن أن نستحضر هنا أن من نشر وباء الكوليرا في هاييتي هي الأمم المتحدة والتي انكرت ذلك في البداية ولكنها بعد صدور نتائج التحقيق الدولي ارغمت الأمم المتحدة على الإعتراف بذلك وقالوا أن من تسبب بانتشار الوباء هم جنود قوات حفظ السلام وأنهم تسببوا بذلك عن طريق الخطأ!

ويمكن أن نذكر هنا أيضاً أن هذه المنظمات الدولية تربحت مليارات الدولارات في سيراليون وغينيا وليبيريا ولكنهم كانو ينكرون ذلك ولكن بعد أن انتشرت الفضائح وقامت قناة البي بي سي بإجراء تحقيق تلفزيوني وأثبتت ضياع ملايين الدولارات في فساد الموظفين أضطر الصليب الأحمر الدولي إلى أن يعترف بفشله وفساده الذي تسبب بإضاعة ما يقارب ٤٠% من التمويل بسبب فساد الموظفين في المركز الرئيسي للصليب الأحمر وفروعه الوطنية.

كما يمكن أن نستحضر هنا أن منظمة الصحة العالمية كانت تتشدق بالجهود الجبارة للقضاء على الإيدز في أفريقيا ولكنه اتضح إن المنظمة عبثت بالأموال المخصصة للحملة وأنفقت في عام ٢٠١٦ مبلغ ٧٠ مليون دولار فقط في أنشطة حملة مكافحة الإيدز بينما أنفقت في نفس العام مبلغ ٢٠٠ مليون دولار على تكاليف سفر موظفيها عبر طيران خاص وطيران الدرجة الأولى ووصلت تكلفة بعض الغرف الفندقية إلى ألف دولار لليلة الواحدة مما أضطر المنظمة إلى أن تلملم الفضيحة وتعترف بذلك وتصرح إنه سيتم النظر في سياسة السفريات والتنقلات!

وختاماً، يمكن أن نذكر ما أعلنه برنامج الغذاء العالمي في ديسمبر الماضي حيث قال أن الفساد قد التهم أكثر من ٦٠% من المواد الإغاثية المخصصة لبعض المحافظات ولم يعرف البرنامج أين ذهبت هذه المواد التي كان من المفترض أن تغيث ملايين الجياع في اليمن.

الشاهد من كل هذا هو إن إتباع المنظمات لأعلى درجات الرقابة والتدقيق ومكافحة الفساد ما هي إلا فقاعة نفختها هذه المنظمات ويستمر البعض بنفخها بدون دراية للأسف، وما يحزننا أكثر هو محاولة البعض في الطعن في كل من يطالب هذه المنظمات بإتباع إجراءات فعالة للقضاء على الفساد في برامجها الإنسانية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بدلاً من وصولها إلى جيوب الفاسدين أو إلى المقاتلين في جبهات القتال.

كيف يمكن للمنظمات الحد من الفساد؟ 
ولكي نضع النقاط على الحروف، فإنني أريد أن أوضح إننا لسنا ضد المنظمات الدولية ولا نريد أن نشيطنها ولكننا ضد النهج الخاطئ الذي تتبعه والذي ثبت فشله بدليل أن الحالة الإنسانية في تدهور مستمر بالرغم من إنفاق مليارات الدولارات خلال الأربع السنوات الماضية.

نريد من المنظمات الدولية أن تقوم بدور يتوائم مع محددات عملها الإنساني وأن لا تنخرط في التأثير بالحياة السياسية اليمنية حتى لا تعرض المساعدات الإنسانية للتسييس أو لاستخدامها كأداة ابتزاز كما يحدث الآن.

نريد من المنظمات الدولية أن تقدم إستجابة إنسانية فعالة تتوائم مع حجم التسهيلات المالية والإدارية والأمنية التي تتلقاها من الحكومة.

نريد من المنظمات الدولية أن تعي إنها متهمة أمام الشعب حتى تثبت براءتها مما يلزمها بإيقاف العبث والفساد بأموال الإغاثة الإنسانية. وعندما نقول العبث فإننا نقصد الإنفاق غير المدرس والمبالغ به كتنفيذ الأنشطة في فنادق فارهة أو في الدول المجاورة أو تقديم بدلات سفر وإقامة باهضة جداً. ومن أشكال العبث أيضاً هو تنفيذ أنشطة غير ضرورية وغير ملحة بل أن بعضها يتم تنفيذها خارج اليمن بمبالغ باهضة بينما يمكن تحقيق الغاية المرجوة من النشاط من خلال عقد اجتماع عبر الإنترنت. وعندما نتحدث عن العبث فإنه لا يمكننا أن نغفل ضرورة يمننة الوظائف في المنظمات وإيقاف توظيف الأجانب لأن توظيفهم يكلف اليمن مبالغ باهضة كرواتب وبدلات السكن والتأمين والنقل وغيره.

نريد من المنظمات أن تعمل على مكافحة الفساد من خلال تعزيز الشفافية والمسألة مما يلزم هذه المنظمات بضرورة نشر تقاريرها المالية المراجع باللغة العربية وتفصيل وتفنيد أين تم أنفاق المبالغ المستلمة بإسم اليمنيين. وتعزيز المسألة يتم تنفيذه من خلال إشراك المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والحكومة في لجان وفرق الرقابة والمتابعة والتقييم للمشاريع واشراكهم كذلك في مراحل تخطيط وتنفيذ وتقييم المشاريع لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وسير الخطة وفق ما هو مرسوم له.

هذا بشكل مختصر وبسيط لماذا نطالب المنظمات بمكافحة الفساد وكيف يمكن لها تلبية هذه المطالب بإجراء بعض التصحيحات في نظمها وقواعد عملها.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر