د.ياسر الشرعبي
د.ياسر الشرعبي
رمزية الوعل وسيميائيته
الساعة 08:09 مساءاً

مدخل:
الرموز المختارة -سواء كانت مختصرات لفظية أم صورًا وأشكالًا- هي أنماط تعبيرية تحمل خصائص سيميائية، وأبعادًا يراد لها أن تستقر لدى المتلقي، وهذا يقتض أن يكون الرمز مختصرًا، بحيث متى سُمع أو شوهد يحضر في ذهن المتلقي كلُّ ما يرتبط به من مشاهد وفرادة وتميُّز، من غير إغفال السياق الذي أنتج فيه الرمز، وتفهم فلسفة متبنِّيه، وتجنب تحميله إسقاطات وتخوفات تسربت إلينا من ثقوب في جدار الوعي. وفي إطار ذلك ينبغي أن نتوقف لقراءة الرمز وفهمه. 
قد يحمل الرمز بعدًا دينيًا أو قوميًا، أو حضاريًا أو اقتصاديًا...إلخ، يستحسنه فريق ويرفضه آخرون، وهذه الحالة من ضجيج التقبل والرفض ترافق كلَّ مستجد، ورغم ذلك تأخذ الرموز طريقها إلى الاستقرار لتصبح أمرًا واقعًا وإن تطلب ذلك وقتًا. 
 وتقبلها هذا الرمز أو ذلك مردُّه من وجهة نظري إلى أمرين:
أحدهما: إجادة التسويق والتعريف بالرمز وأبعاده من صاحب/ أو أصحاب الفكرة أو الجهة التي اختارت هذا الرمز أو ذاك؛ وغياب هذا يؤدي إلى تباين التفسيرات وكثرة التأويلات والتخوفات المساقة في غير محلها.
الآخر: دلالة الرمز وأبعاده ووضوح ذلك أو ضبابيته.
ومما يؤكد عليه أننا في القضايا الوطنية بحاجة إلى التمسك بالهوية والموروثات الحضارية والثقافية اليمنية المكتسبة كرمز جامع ارتبط بحقب زمنية يمنية خالصة لصناعة حائط صد أمام هويات وافدة تجتاح اليمن، ويُعمل على نشرها وترسيخها، ومحاولة طمس هوية اليمن الممتد في أعماق التاريخ، والمتجذرة في قلوب اليمنيين.
رمزية الوعل وأبعاده السيميائية
عرف الوَعل في حقب زمنية يمنية خالصة، وارتسمت صوره في الأذهان، وبات بشكله وأماكن تواجده يحمل أبعادًا عدة، منها:
دلالة العزة والشرف والكبرياء لأهل اليمن
 يأتي استحضار رمز الوعل لتعزيز مفاهيم حملها اليمنيون وهم يبنون حضارتهم ويشيدون بلادهم، وينحتون الجبال، ويدونون تاريخهم كي لا ينسى، والإصرار على المضي في طريق العزة والكبرياء:
 يستأنس لذلك بما جاء من حديث (لا تقوم الساعة حتى يهْلِكَ الوُعُولُ، وتَظْهَرَ التَّحُوتُ)، والتُحُوتُ: الدُّونُ. وَالْوُعُولُ: الْأَشْرَافُ، وقد شبهوا بالأوعال الَّتِي لَا ترى إِلَّا فِي رُءُوس الْجبَال؛ وقال ابن فارس: (عَلَى التَّشْبِيهِ قِيلَ لِكِبَارِ النَّاسِ وُعُولٌ).
الشموخ والزعامة والرئاسة يجب أن تكون يمنية خالصة:
الوعل الذي عُرف بالاستقرار في المرتفعات وأعالي الجبال اليمنية، يحمل صفات اليمنيين وكل من سكن أرض اليمن الأصيل، من الشموخ، والرئاسة، ورفض الذل؛ يستأنس لذلك بما جاء في شمس العلوم لنشوان الحميري (وقيل في تأويل الرؤيا: إِن الوعِل رجلٌ رئيس)، وفيه دلالة على رفض كل دخيل على اليمن يحاول سلب اليمنيين هذا الحق الذي هو مكتسب لوعول اليمن وزعمائه.
التشريف في حمل القضايا الكبيرة:
يمكن أن ينظر إلى الوعل من كونه رمزًا لحمل الأمور الكبيرة، ومما يستأنس به لذلك ما روي عند تفسير قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) من حديث الترمذي وأبي داود وابن ماجه، عن العباس بن عبد المطلب (وإن كان المحدثون حكموا بضعفه) "وفوق ذلك ثمانية ‌أوعال، بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهور هن العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء إلى السماء"، وأورد ذلك كثير من المفسرين، وهو ما يجعل الوعول تكتسب رمزية مهمة، ولا يشكل اتخاذها رمزًا إشكالية حقيقة، بل متوهمة.
التذكير بحضارة اليمن وثقافتها
استدعاء الوعل كرمز في هذه المرحلة هو استدعاء لحضارة في مواجهة طارئ التاريخ، والغبار الوافد الدخيل المتطفل، وربط الأجيال بماضيهم الحضاري للاستفادة منه، ولا يجب أن يكون التذكير بمرحلة زمنية مقتضيًا تبني كل ما كان فيها، بل على العكس من ذلك، ولا أدل على ذلك من استحسان النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما كان في الجاهلية من مكارم الأخلاق، وإشادة ببعض الأحلاف من غير إقرار بالمضامين الأخرى.
مواجهة ما ليس يمنيًا
الوعل يحمل رمزية الاستعداد لمواجهة ومناطحة كل دخيل على أرضنا وبلادنا، ممن يحاول فرض الوصاية علينا تحت أي مسمى سلالي أو مناطقي، ومن ذلك الهوية الدينية والثقافية اليمنية، ووجود أصوات تتبنى بعض الأفكار لا يقتضي إلغاء الفكرة ومسايرتهم، بل يتطلب الاصطفاف لمواجهة من يعتدي على المسلمات الدينية والوطنية، والشطحات المتطرفة لا يكاد يخلو منها كيان عند التتبع والتقييم. 
 
تعزيز مفهوم أصحاب الأرض
الوعل عُرف في اليمن في جبالها ومرتفعاتها، وكأنه حارسها، وخُلِّد في نقوشها، ونحت على صخورها، وسيبقى خالدًا معبرًا عن حضارتها.
الوعل والوثنية المتخيَّلة
لم يعرف الوعل وثنًا أو معبودًا في اليمن كما عرفت به الشمس والقمر ومع ذلك اتخذت شعارات ولا إشكال في ذلك، ولا يستطيع أحد القول إن أصحابها يعيدون الوثنية ويجددونها؛ إذ القول بذلك ناتج عن جهل وغياب وعي بالدلالة الرمزية التي تميل إلى السهولة والبساطة كي تحفظ وتدرك. وما تزال بعض طقوس الشمس إلى اليوم في بعض القرى، كفعل خال من الاعتقاد، ومنها رمي السن أو الضرس إلى الشمس أو مخاطبة قوس قزح عند ظهوره.
وعلى من يتبنون رمزية الوعل إيضاح دلالاته وإصدار تفسيرات بالأبعاد التي يحملها كرمز وطني وقومي يمني خالص، وألا يترك التفسير عائمًا يغرق فيه المتخوِّفون.
الوعل وسياق تشكله
على المتخوفين من رمزية الوعل أن يربطوه بالسياق الذي ولد فيه أو تشكل كرمز يمني في مقابل رموز وافدة يراد لها أن تتجذَّر في المجتمع، ثم عليهم الاستفسار عن الدلالة المرادة من هذا الرمز أو ذاك قبل تحميله ما لا يحتمل وإطلاق الفتوى السائلة؛ إذ الاستفسار والاستيضاح منهج علمي لمن يتصدَّر منصة إطلاق الأحكام.  
استحضروا المثل (لا يكسر الحجرة إلا أختها).

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر