أنور العنسي
أنور العنسي
الأستاذ (العربي) الحزين
الساعة 11:53 مساءاً

لا تمييز لديَّ بين رئيس دولة وحلّاق.
أحترم بشدة كل من يتفاني في أداء واجبه أياً كانت مهنته، أو مركزه، وبنفس القدر أحتقر بشدة من يحتقر أصحاب المهن جميعها أو بعضها التي تجعل من الحياة حياة، والمنافع متبادلة، والمصالح مشتركة.
هل يمكن لرئيس دولة أو حتى لغير لرئيس دولة أن يكون بمظهر جيد دون حلاق أو مصمم ملابس، أن يكون بصحةٍ جيدة دون طبيب، آمناً على نفسه دون نظام أمن ورجال حماية، معتمداً في طعامه على طباخ ماهر، وحتى على رجال نظافة لجعل بيئته صالحة للعيش؟
كانت ثمة نادلة مطعم في لندن، أذهب إليه ثم أغيب عنه لسنوات، سنوات (طوال) ولكن بمجرد أن أعود إليه، تأتي إليّ وتسألني "هل لا تزال تحب طبقك المفضل؟ السمك مع السلطة؟".
ومنذ سنوات عدة تعاملت مع حلّاق عربي في لندن، واكتشفت أنه أكثر وعياً وأخلاقاً وقِيماً من كثيرٍ من (الدكاترة) والمثقفين العرب.. لا يكذب، لا ينافق، لا يسرق.. إعتمد على المقص الذي يمسكه بين أصابع يده ليكسب به رزقه بكل شرف وأمانة، ويعيل أسرته وعائلته الكبيرة في بلاده.
أحمد، نموذج للعربي الذي لم يجد في بلاده بلاداً، فقرر الهجرة، والاستقرار في بلاد الغربة.
لا يقبل أحمد أي زيادة ولو كانت قليلة على أجره، ينتظم في دفع الضرائب المقررة عليه، ولا يخالف أياً من قوانين البلد الذي يعيش فيه.
قلت له لماذا لا تتحدث في السياسية كبقية الحلاقين الذين تشترط صوالين الحلاقة أن يكون لديهم قدر من الإلمام بالسياسة لتسلية زبائنها خلال عمليات الحلاقة؟ فكان جوابه أنه لا يعرف الميول السياسية لزبائنه، هل هو يميني محافظ أم يساري متطرف، متدين أم علماني أو ملحد، وبالتالي لماذا يخسر زبوناً؟
في العادة أذهب إلى صالون احمد بعد الاتصال به والاتفاق على موعد، وبمجرد وصولي إلى صالونه يجلسني على الكرسي ويقول لزبائنه العديدين الذين يحضرون دون موعد "هذا الرجل لديه موعد"!
اليوم فقط عرفت أن أحمد يحمل درجة (دكتوراة) من إحدى الجامعات العربية.
ثمة مثال آخر.. عندما كنت أعمل مديراً لمكتب إحدى القنوات العربية في السودان، كان يلفت انتباهي أن بعض سائقي الأجرة الذين استعين بهم لتوصيلي يحتفظون معهم في سياراتهم بنسخٍ من معظم الصحف السيارة، وأكتشف في النهاية أنهم (أساتذة) ويحملون درجات تعليم عالية لكنهم عاطلون!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر