عادل الأحمدي
عادل الأحمدي
هكذا ينظر أصحاب المسيرة القرآنية للقرآن الكريم!!
الساعة 01:12 صباحاً

يشن السلاليون حرباً بلا هوادة على الذات اليمنية تاريخا وهوية مثلما يشنون حرباً ضارية على مصادر الدين الذي يدعون أنهم ممثلوه الحقيقيون!!
وبكل استخفاف، أعلنت وسائل إعلام المليشيا الحوثية قبل يومين العثور على مصحف قالوا إنه بخط علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فهل حقاً ثمة نسخة من القرآن بخط علي أم أن المسألة برمتها تندرج ضمن سلسلة تخرصات طويلة تعكس أنهم يعيشون أزمة حقيقية مع القرآن الكريم، وعلى أساس تلك الأزمة القديمة سموا زعيم جماعتهم (القرآن الناطق) وسموا عصاباتهم (المسيرة القرآنية) وأطلقوا على كهنتهم ومشعوذيهم (قرناء القرآن)!!
المسألة ليست بالبساطة التي قد يتخيلها البعض.. دعونا نلقي نظرة سريعة على بعض أسباب ونتائج أزمتهم الدائمة والقديمة مع كتاب الله.
أزمة مستند
استوجبت نظرية الوصي التي تجعل من علي وأبنائه ورثة للحكم والنبوة، وتسمى أيضا (الولاية، البطنين، الحق الإلهي)، استوجبت مجموعة من التعديلات الفكرية اللازمة على جوهر الدين لكي تستقيم النظرية إذ لا دليل قرآني لها ولا مستند نبوي صحيح.
وقد ترتب على هذه التعديلات مجموعة هائلة (ومتناقضة) من الاستدلالات التي تجعل مسألة الوصية أمراً منصوصاً عليه من قِبل النبي عليه الصلاة والسلام، تبليغاً عن ربه، جلّ وعلا.
وترتب على هذه المسألة أمران أحدهما من جانب القرآن، والآخر من جهة السنة. فأما ما يتعلق منها بالقرآن الكريم فهي ما يلي:
أولاً: التأويل التعسفي لمدلول الآيات!
نشوء التأويل لآيات القرآن الكريم بنسبة أو بأخرى لجعل آياتٍ معينة تفضي، بالتأويل، إلى تأكيد الوصيّة وتزكية آل البيت؛ فالآية: ﴿يا أيها الرسولُ بلّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعلْ فما بلّغتَ رسالتَه﴾(المائدة67)، وهي من أوائل ما نزل في المدينة، ولكنهم زعموا أنها نزلت بعد حجة الوداع حتى يتسنى لهم ادّعاء أن أمر التبليغ في الآية كان بخصوص ولاية علي.
ويزعمون أنه بمجرد نزولها جمع النبي المسلمين في طريق عودته من الحج في “غدير خم” وخطب بهم خطبةً أعلن فيها أن علياً هو الإمام من بعده، كما يفترون، وبعد ذلك البلاغ نزلت الآية: ﴿اليومَ أكملتُ لكم دينَكم…﴾ (المائدة 3) وهي الآية التي ثبت أنها نزلت في يوم عرفة (التاسع من ذي الحجة) أي قبل يوم “الغدير” بتسعة أيام.
نموذج آخر في التأويل، الآية: ﴿إنما يريدُ الله ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهرَكم تطهيراً﴾ (الاحزاب 33)، رغم أن السياق الذي وردت فيه الآية يدلّل أن المقصود فيها نساء النبي، قال تعال: ﴿يا نساء النبي لستُنّ كأحدٍ من النساء إن اتّقَيتنَُّ فلا تخْضَعْنَ بالقول فيطمعُ الذي في قلبِه مرضٌ وقُلْنَ قولاً معروفا. وقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ ولاَتَبَرَّجْنَ تبرُّجُ الجاهلية الأولى وأَقِمْنَ الصلاةَ وءاتِيْنَ الزكاةَ وأطِعْنَ اللهَ ورسولَه إنما يريدُ الله ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهرَكم تطهيراً. واْذكُرْنَ ما يُتلى في بُيوتِكُنّ من ءَاياتِ الله والحكمةِ إن اللهَ كان لطيفاً خبيراً﴾ (الأحزاب 32، 33، 34).
الآية واضحة أنها تقصد بأهل البيت نساء النبي إلا أنهم زعموا أنها في علي وفاطمة والحسنين وذريتهما، ثم جعلوها دالةً على اشتراكهم مع النبيّ، عليه الصلاة والسلام، في قوله تعالى: ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ (الفتح 2)..
ومن هنا فإن على المسلم “أن يقابل جميع ما يطرأ عليه من أهل البيت في ماله ونفسه وعرضه وأهله وذويه، فيقابل ذلك كله بالرضى والتسليم أو بالصبر أو بالشكر، ولا يلحق المذّمة بهم أصلاً”، فإن ما يقع منهم علينا -كما يزعم ابن عربي المتصوّفي- من الظلم فحكمه حكم القضاء والقدر!!
يعزّز ذلك تأولّهم -أيضاً- قوله تعالى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾ (الشورى 23)، فهذه الآية مكّية ولم يكن عليّ حينها قد تزوج بفاطمة، ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله وبينهم قربى، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه نزلت، وتفسيرها “ما دمتم قد أبيتم إجابة دعوتي وطاعتي، فاحفظوا حق القربى ولا تؤذوني.. ولكن هوى الشيعة اقتضى أن يفسّروها وفقاً لنظريتهم، فجعلوا المخاطب فيها المسلمين، والقربى عليّاً وأبناءه من فاطمة، وتجاهلوا قوله تعالى: ﴿فإن توليتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ (يونس 72)، والعديد من الآيات التي تدحض افتراءاتهم..
وأما (حبل الله) في قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً…﴾ (آل عمران 103)، فهو بحسب تأويلهم الأئمة من العِتْرة، وهم أيضاً النحل في قوله تعالى: ﴿وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون﴾ (النحل 68)، وأما الشراب الذي يخرج من بطونها فهو علْمهم..”(راجع الإسلام الصحيح، محمد النشاشيبي).
واللافت أنهم أيضاً يعمدون إلى السكن في المناطق الجبلية. وهم أيضاً يدعون أن الأئمة أسماء الله الحسنى، وأمثال ذلك لاحصر لها.
يقول الدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه “مذاهب الإسلاميين”: إن الصفة المشتركة التي يدين بها الذين اعتنقوا نحلة الباطنية هي تأويل النص بالمعنى الباطني تأويلاً يذهب مذاهب شتى قد يصل إلى حد التناقض، فهو يعني أن النصوص الدينية المقدسة (القرآن) رموز وإشارات إلى حقائق خفية وأسرار، وأن الطقوس الدينية أيضا رموز وإشارات إلى حقائق خفية، بل إن الأحكام العملية (العبادات) هي الأخرى رموز وأسرار.
ثانياً: القول بنقص القرآن!
ثم لمّا لم يكن التأويل كافياً لإثبات مسألةٍ مهمةٍ، كالولاية العامة، نشأت فكرة “نقص القرآن” وبرز من يقول بنقصه من جهة السور وأن الصحابة أخفوا سورة الولاية وهي موجودة عند بعض الشيعة على النحو التالي: “يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم * نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير * إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم * والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبون * إن لهم في جهنم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين * ما خلفتهم المرسلين إلا عني وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك وعليٌّ من الشاهدين”: تعالى الله عما يفترون (أحمد جوادة، من هم الشيعة، ص 197).
ثالثاً: القول بتعرض القرآن للتحريف
وفي ذلك وضعوا مؤلفاتٍ عدة تزعم أن القرآن قد خضع لعملية تحريف واسعة مغطاً لحق علي وأبنائه في مسألة الولاية.. أشهرها: كتاب “فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب” للنوري الطبرسي، الذي جمع فيه أكثر من ألفي رواية (موضوعة) تنص على تحريف القرآن الكريم، وجمع فيه أقوال جميع فقهاء وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين، حيث ثبت أن جميع علماء الشيعة وفقهائهم المتقدمين منهم والمتأخرين، يقولون إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرّف، ومنهم هاشم البحراني، ونعمة الله الجزائري، وأن القرآن الحقيقي هو “الذي عند علي والأئمة من بعده عليهم السلام، حتى صار عند القائم (عج)، وهو الإمام الثاني عشر الغائب..” (الموسوي، لله ثم للتاريخ).
رابعاً: المصاحف المخبّأة!!
وعندما يحتج عليهم، سواء من قبل أناس من الشيعة أو السنة، بأن مقاصد آيات القرآن الكريم يشدّ بعضها بعضاً للتأكيد على مبدأ المساواة وسُنة التداول، فإنهم يزعمون أن القرآن الكريم ليس إلا مصحفاً واحداً من بين جملة مصاحف هي:
– “الجامعة”: يقولون: هي “صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فلق فيه، وخَطِّ عليّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش”. (الكافي، وبحار الأنوار).
– صحيفة “الناموس”: يقولون: عن الرضا في حديث علامات الإمام “المهدي المنتظر” قال: وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها اسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.
– صحيفة “العبيطة”: يقولون: عن أمير المؤمنين عليّ قال: وأيْم الله إن عندي لصحفاً كثيرة قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة وماورد على العرب أشد منها، وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، ما لها في دين الله من نصيب”!!
– صحيفة “ذؤابة السيف”: يقولون: عن أبي بصير عن أبي عبدالله أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف.. قال أبو بصير: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة.
– صحيفة “علي”: يقولون: عن أبى عبدالله قال: وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صحيفة فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه، فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً..
– الجفر: وهو نوعان: الجفر الإبيض، والجفر الأحمر. يقولون: “عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إن عندي الجفر الأبيض قال: فقلت: إيّ شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم والحلال والحرام..، وعندي الجفر الأحمر.. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل. فقال له عبدالله بن أبي اليعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: أي والله، كما يعرفون الليل أنه الليل، والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم”. (أصول الكافي).
يقول حسين الموسوي: “وقد سألت مولانا الإمام الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر، من الذي يفتحه ودم من الذي يراق؟ فقال: يفتحه صاحب الزمان عجل الله فرجه، ويريق به دماء العامة النواصب (الأمة من غير الشيعة) فيمزقهم شذر مذر، ويجعل دماءهم تجري كدجلة والفرات، ولينتقمن من صنمي قريش وابنتيهما (عائشة وحفصة) ومن نعثل (وقصد به: عثمان) ومن بني أمية والعباس فينبش قبورهم نبشاً”.
– مصحف فاطمة: يقولون: عن علي بن سعيد عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: “.. وعندنا والله مصحف فاطمة، مافيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله وخط عليٍّ بيده”.
“ولهذا قال الإمام الخوئي: في وصيته لنا وهو على فراش الموت، عندما أوصانا كادر التدريس في الخوئي: عليكم بهذا القرآن حتى يظهر قرآن فاطمة”. (الموسوي، مصدر سابق).
– التوراة والإنجيل والزبور: بوصفها لم يطلها تحريف ولا تصحيف، يقولون: عن أبي عبدالله عليه السلام أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية (الموسوي، مصدر سابق).
في نفسهم منه شك!!
واختصارا لنظرة هؤلاء لكتاب الله يرجى العودة لمؤلفات إحسان إلهي ظهير رحمه الله رحمة واسعة. والبعض قد يقول إن الاستدلالات التي اعتمد عليها هذا المقال خاصة بشيعة إيران والعراق والحق أنها معتمدة لدى شيعة اليمن بوصفهم امتدادا لنفس الفكرة الشيطانية، ومرتهنون لها فكريا وسياسيا، والدليل الحي: مصحف علي!!
ومن كل ما سبق يتبيّن كيف أن إثبات نظرية سياسية عنصرية وإقحامها لتكون مؤهّلة دينياً؛ قد أدى في النهاية إلى تقويض مصدر الدين ذاته!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر