د. محمد شداد
د. محمد شداد
الرئيس المناطقي
الساعة 04:47 صباحاً

الانقسامات والصراعات التي تعيشها معظم بلدان العالم الثالث جاءت نتيجةً لثقافة تعاقبتها الأجيال عن سابقيهم نظريةً وتطبيق، توزعت تلك الثقافة بين المذهبية والمناطقية والجهوية، فظلت مُتّكأً للفاشلين الذين يفتقرون إلى أدوات المهارة في العمل والصبر على مصاعب الحياة وتقلباتها، فضلاً عن استخدامها من قبل المسؤول العاجز كأداة لاستنفار الناس في بيئته عمودياً وأفقياً والدفع بهم ضد البعض الآخر حتى يحظى بدعم هذا الطرف ضد ذاك ليتمكن من الحفاظ على نفوذه وتفرّده في الحكم.
وبما أن المقام لا يتسع لسرد مضار وآفات المذهبية والجهوية والمناطقية مجتمعةً، سيتم التطرق إلى داء المناطقية لأنه الأكثر شيوعاً في بلدان العالم الغير منضبط بقوانين عادلة تحفظ لكل ذي حقٍ حقه بصرف النظر عن مذهبه أو عرقه وديانته أو من أين جاء وإلى أين يعتزم الرحيل.
وعليه فقد اعتبر المشتغلين في النظم الاجتماعية أن المناطقية هي أحد صور التمييز العنصري في الدول ذات النُظُم التقليدية تحديداً، فكانت إما ردود فعل على القبلية وعنصريتها فمارسها من عانى من عنصرية وعصبية القبيلة وتغلُبها، أو رام حمايتها في مقابل ممارسات مناطقية أخرى ضده ولم يجد في الدولة والقانون ملاذاً له لحمايته من ظلمٍ هد كيانه هنا أو هناك، فانتهجوا العنصرية المناطقية لصنع تحزب مضاد للقبلية وهي في الغالب تحزبات اجتماعية داخلية على غرار الحزبية اليمنية التي لم تنجُ من تلك الآفات برغم شعاراتها الديموقراطية التي سدت الآفاق ضجيجاً وصخب.
التجربة الحزبية التي مرت بها اليمن مثالاً بارزاً على ذلك إذ كان الشيخ عبدالله الأحمر رئيساً لحزب الاصلاح بكل ما يحمل من مفاهيم عصبية مناطقية أو جهوية وكل طاقم قيادات ذلك الحزب حُصرت في ممثلين لجغرافيا بعينها في حين أنه لم تخل منطقة في اليمن من عضو له أو مناصر!
وكذلك حزب المؤتمر الشعبي العام واسع الانتشار بحكم السلطة، الحزب الذي اختزله علي صالح في شخصه ولحسابه بكل ما يحمل من تلك المعاني والآفات التي ساقته والوطن إلى تلك النهاية المأساوية، محدثةً ألماً لأعدائه قبل أصدقائه إلا أنه وفي كل أحواله كان أحسن الأحزاب لولا المآل الذي صيرتنا إليه الأقدار.
وفي ذات السياق، لم تذهب الأحزاب اليسارية والقومية بعيداً عن ذلك المفهوم، إذ أن تواجدهم في مناطق شمال الشمال شبه منعدم عدا مدن جنوب اليمن ومحافظة تعز التي يعتبرها الكل ملعبه السياسي منها ينطلق ويصعد وفيها يسقط ويخبو، فالكل يحمل في قلبه لها من المحبة والبغض بقدر ما استفاد من دفقها السياسي والعلمي والاقتصادي أو لم يكن له من ذلك نصيب، وصراعات الحزب الاشتراكي المناطقية قبل الوحدة ليست علينا ببعيد. 
مع أنه لا حرج في ميل الانسان إلى مسقط رأسه وأهله الذين خالطهم وأحس بدفىء مودتهم، وإلى الأرض التي أصاغت شخصيته جغرافيا تاريخاً عادات وتقاليد، حتى صارت جزءاً من وجدانه دون ميلٍ أو تحيُز على حساب الوطن وطموحات الطبقات الفقيرة والمهمشة الساعية للتحرر من رباق الظلم والعيش بكرامة. 
الصراع السياسي الذي يجري في تعز اليوم في ألوانه ودعواته المختلفة التي لا يخدم القضية الوطنية ولا التوازنات السياسية وتحرير اليمن من عصابات الامامة، والانقلاب، لم يخلُ من ريحة تلك الآفات وإن كان حامليها من كبار رواد السياسة، وحملة همَ القضية الوطنية خدمة لأهداف ما بعد الحرب قبل النصر ويأمنوا شر الهزيمة. 
فالاستغلال السياسي السيء للمناطقية والعرق هما السببان للأزمات والشروخ التي تُحدثُ المآسي للأجيال وليس للمناطق كجغرافيا أو أفراد ذنباً أو جريرة فيها، وما الحرب الدامية التي تدور رحاها اليوم في اليمن شمالاً وجنوباً إلا ظاهرة قبيحة ونتيجة حية من نتائج المناطقية المقيتة. 
ثمة تجارب وقصص تحكي مناطقية آخر رؤساء اليمن، صالح وهادي، يقف المواطن البعيد عن مسارح السياسة مذهولاً إذا طرقت مسامعه بعض تلك القصص، لأن البسيط يراه على الشاشات رئيساً بحجم الوطن، وإذا ما خلى بخاصته فاحت ريحة لسانه بما يحمل قلبه تجاه مدينة أو جغرافيا معينة في الوطن الذي يُفترض أنه الحاكم لكل شبر فيه بميزان العدل وناظراً إليه بعين المساواة، قد لا يصدق أحد أن علي صالح يعتبر 5 مليون نسمة سكان محافظة تعز  كلهم الموالي والمبغض له، والشيخ والصبي والفتاة فقيرهم وغنيهم، فسقة دون استثناء، كما ورد ذلك في مقابلة تلفزيونية على الهوى مباشرة مع معاونه إلى آخر لحظة عبده الجندي، تلك قطرة من أمطار حقدة على أغلب مناطق الوطن، كما أن تصريح "اقنصوهم كلهم دواعش" سيبقى خالداً ما بقيت تكنولوجيا اليوتيوب قائمة، وأضربوا رأس الأفعى تعز إبان ثورة 2011م، واستهجانه لكل سكان الجنوب من خلال الاقصاء والتهميش انعكست على كل من لف لفه ودار حوله، حتى رحل وباتت ثقافة لن تنزعها إلا مغاسل الموتى.
أما هادي سكنته مناطقية مآسي الصراع الجنوبي الجنوبي قبل الوحدة، وانسحبت على أحداث اليوم وظلت صور ألوية الوحدة المكونة من ضباط وأفراد الشمال التي رجحت كفة صراع الطُغمة على الزُمرة وكذلك الفاعلين من رجالات الحكم في حقبة حكم الحزب الاشتراكي من الشمال على رأسهم محمد سعيد عبدالله  وعبدالفتاح اسماعيل لا زالت ماثلة أمامه حتى أودت بالوطن ولم يُستثنَ فيه أحد.
 كذلك الأمر في وزير دفاعه محمد ناصر أحمد الذي اشتغل بمناطقية الحقد المزدوج عن طريق تماهيه مع ميليشيات الانقلاب ضد كل الوطن وقواته المسلحة واعتبر صراعات الشمال بينية ستنحصر في مناطقهم ولن تصل إلى اقاصي المهرة مروراً بمسقط رأسه ساحقة أعدائه واصدقائه، حتى بات هائماً متقلباً بين أكوام الأموال القذرة التي بها باع وفيها اشتُريَّ ولها نهب واختلس. 
وإن يكن الأمر تبقى مناطقية ومذهبية وسلالية وجهوية رواد الهاشمية السياسية هي الطاغية الباغية التي لا يسعها ألف كتاب ومقال، لأنها تدحرجت مع خرافات تاريخ صراعات حكم الإمامة المظلم منذ دخولها على يد يحيى حسين الرسي عام 284ه وسكنت حشايا شعب قحطان بن هود نبي الله العظيم، على حين غفلة منهم، واستغلت عاطفتهم الدينية ونخوتهم العربية وكرمهم اللا محدود، فأغرقتهم بحروبها وكرست كل أنواع الجهل بجهلها وجعلتهم آخر شعوب الأرض نمواً، استقراراً واقتصاد.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر