مصطفى ناجي الجبزي
مصطفى ناجي الجبزي
قراءات مضللة
الساعة 03:46 مساءاً
قرأت للباحثة سما الهمداني منشورا تحليليا مذيلا بتضامن مع ضحايا عنف الحوثيين تجاه المتظاهرين. نداء،"اتركوا اليمن لليمنيين" جيد، وهو موقف أكثر من كونه تحليلا، لكنه يتنافى مع أبسط معطيات السياسة الدولية التي فرضت الإعتماد المتبادل ويتنافى مع واقع أن اليمن جغرافية استراتيجية، ليس عليها دولة وطنية تستوعب هذه الأهمية، مما جعل البلاد لقمة وموضع تنازع بين القوى الإقليمية والدولية منذ ألفين سنة وأكثر. لكن، لماذا اليمن بهذه الهشاشة الدولتية ؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال دراسة الذهنية السياسية للحكام والأئمة منهم تحديدا وعلاقتهم بالبحر. وهناك مقال طويل للدكتور محمود صغيري بهذا الخصوص. الطريف في التحليل، هو استنتاج أن قصف الطيران الذي يصيب بطريقة عمياء المدنيين، يمنح الحوثي صفة الحامي للسكان الواقعين تحت سيطرته، وكفيل بترجيح كفة الإحتراب وتوحيد جبهة حوثية (وطنية) في وجه السعودية ويجعل مشاركة السعودية تأتي بنتائج عكسية تماما. وعليه فإن الحل يكمن في إيقاف الطيران أولا. وسيتكفل اليمنيون بالثورة على الطغيان كما تذهب الباحثة. والأحرى أن أحداث صنعاء الأخيرة، كفيلة بتغيير هذه القناعة لأن سلطة الأمر الواقع في صنعاء تعمل جاهدة على إعادة هندسة المجتمع أمنيا وتسيير الأمور بقبضة أمنية لا مثيل لها حتى في عهد صالح. يتضح جليا من تحليلات اليمنيين الذين لم يعرفوا اليمن او يعيشوا فيه كفاية - بمعنى اهتمامهم باليمن منهجيا لم يكن ميدانيا بما فيه الكفاية - ومثلهم عدد من الباحثين غير اليمنيين في أوروبا وأمريكا، ويتبعهم صحفيون غربيون كثر، أنها منسلخة عن الواقع كثيرا لأنها أولا، استيقظت في الشأن اليمن منذ مارس ٢٠١٥ بالتالي يصورون الحرب في اليمن على أنها بين السعودية واليمن التي يمثلها الحوثي وتحالف صالح. ثانيا : أنهم يفتقرون الى الوعي التاريخي بالمشكلة اليمنية والحرب في اليمن، هي صراع ذاكرة وحرب ذات امتداد تاريخي مدعوم، بتوهمات دينية وهذا البعد يجعلها حربا يمنية أولا وأخيرا، وليست حربا بالوكالة كما يصورها الباحثون. ثالثا: تتجاهل هذه التحليلات سياق الإقتتال الذي نشأت داخله الحركة الحوثية والتي جعلت من العنف عقيدة ومدار حركة، لإنجاز أهدافها السياسية في الوصول الى السلطة من دون أي ممارسات ديمقراطية كانت متاحة. سأعود الى دعوات السلام الساذجة التي تقول : أعطوا اليمنيين السلام وستنتهي الحرب. ويبدو أنه هذه الدعوات لا تعرف معنى السلام ولا كيف ينجز وأن السلام لا ينفصل عن قيم أخرى ملازمة له هي الإنصاف والعدل وجبر الضرر. بالتالي فإن السلام شيء آخر غير إيقاف الحرب، وإن كان إيقاف الحرب هو المدخل فيما لو أمكن التقدم في العملية السياسية. وقبل هذا إيقاف الحرب شيئ آخر غير وقف القصف. الواضح أن بعض التحليلات هي حشو كلام متجرد أخلاقيا من الموقف من الإعتداء الكبير الذي يعد أصل هذه الكارثة الإنسانية في اليمن والتي قوضت كيان دولة هشة وأعاقت عملية انتقالية سياسية وأجهزت على الإقتصاد عبر ممارسات مجحفة ذات طابع مناطقي في الجنوب وسلالي في الشمال. وقبل هذا عملت على مذهبة الفضاء العام و شنت صراعا مذهبيا. التحليل الذي ذهبت إليه الباحثة الكريمة ويذهب كثيرون هذا المذهب وأصواتهم مسموعة في منابر رفيعة في أمريكا وأوروبا، ينسف مبدأ حق طلب الحماية نظريا ولا يأخذ بعين الإعتبار أن السلام يتأتى من توازن القوة بين أطراف الصراع والعجز عن إحراز تقدم عسكري، وقبل هذا يرتكز على دوافع وطنية ورغبة في العيش المشترك والتخلي عن إدعاء التفوق العسكري أو الاثني أو المذهبي وكل هذه الشروط غير متوفرة الآن. وقبل هذا تتجاهل هذه التحليلات أن هناك معتدٍ فجّر صراعا داخليا وأستولى على مقدرات البلاد عسكريا، بالتالي هناك اختلال واضح في توازن القوة لا يمكن تجاهله إلا إذا هدف الباحثون - بقصد أو عن سذاجة - الى تمكين الطرف المستقوي على بقية مكونات المجتمع بالسلاح. نقلا عن موقع الحرف 28
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر