د. ثابت الأحمدي
د. ثابت الأحمدي
الحوثي جارودي متطرف وليس زيديا أو اثناعشريا
الساعة 11:58 مساءاً

اطلعت على نص بيان هيئة علماء اليمن عن مستجدات الأحداث والاوضاع في اليمن، على صفحة الأخ محمد عبد المجيد الزنداني، نجل رئيس الهيئة، ولفت انتباهي فيه الفقرة الثالثة، حول مزعوم التفرقة بين الزيدية ما أسموه "جماعة الحوثي الاثني عشرية". ونص المادة: "تؤكد الهيئة على أهمية التفرقة بين الزيدية وبين جماعة الحوثي الأثني عشرية التي تتلبس بالمذهب الزيدي ظاهراً وتحاربه في الحقيقة وتستهدف علماءه...إلخ". 
ولي ملاحظتان اثنتان هنا، وتعدان من المفاهيم الرئيسية والمهمة في الفكر الإمامي في اليمن:
الأولى: عن لفظة: "زيدية" الواردة في النص. أقول: لا توجد في اليمن زيدية مطلقا، مطلقا، وكل ما في اليمن هادوية، نسبة إلى الإمام الهادي يحيى حسين الرسي، والهادوية غير ما يسمى بالزيدية، في الفروع والأصول. يعرف هذا من له أدنى إلمام بالفكر الإمامي. وهذه الأدلة: 
1ــ قال بهذا كبار أئمتهم، وعلى رأسهم إمامهم الأكبر عبدالله بن حمزة الذي يقول: " الزَّيْدِيَّةُ على الحقيقة هُم الجاروديَّة، ولا نعلم في الأئمَّة ــ عليهم السَّلام ــ من بعد زيْد بن علي ــ عليْه السَّلام ــ من ليسَ بجارودي، وأتباعُهم كذلك..". انظر..
والجارودية: جماعة إمامية متطرفة، نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي الهمذاني، وقيل الثقفي، وقيل: الهندي، وقيل: زياد بن منقذ العبدي، وقيل: زياد بن أبي زياد، توفي سنة 150 هجرية. وهو يزعم أنّ النبي _ صلى الله عليه وسلم _ نصّ على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الاِمام من بعده وأنّ الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به.. إلخ. والجارودية تبغض الشيخين: أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما؛ كما تقول بأن الإمامة أصل من أصول الدين وليست من الزيدية في شيء، ومن لم يقل بذلك فدمُه حَلال، ولا تجوز الصَّلاة خلفَه أبدا..
2ــ ذكر البردوني ــ وهو المتعمق في تاريخ اليمن والفكر الإمامي ـ في كتابه: "اليمن الجمهوري" أن الهادوية قد حرفت الزيدية، ولم تعد منها؛ حيث يقول: "فإن الهَدوية كانت امتدادًا تَحريفيًا للزيديَّة، دون أن يُؤدي التَّحريف أو الامتداد إلى حَركة تطوريَّة، فقد حرَّف الهدويون حُكم المفضول على الفاضِل عند الزَّيْدِيَّة إلى أحقيَّةِ آل عليٍ بالحُكم دونَ غَيرهم، باعتبار أنَّ النَّسب إلى علي وفاطمة أعْطَاهم الأحقيَّة لا الأولويَّة. وهَذا خروجٌ على الزيديَّة؛ لأنهَا تَرى للعلوي الأولويَّة، وتُجيز لغيره الحكم مع الصَّلاحيَّة، فقد تَجَاوزت الهَدويةُ الزَّيْدِيَّةَ في أهم أصُول الحُكم، بالإضافة إلى الاختيارات المخوَّلة للإمام؛ فقد كانتْ اختيارات الهَادي يحيى بن الحسين شِبْه مستقلة عن الأصْل الزيدي، بانتمائه إلى الاعْتزال، ولكن بدون بُعدٍ فلسَفي.. ومن هنا تحوَّلت الفلسَفةُ السِّيَاسِيَّةُ إلى سِيَاسَةٍ مُباشِرة، وتحوَّل عِلمُ الكلام وما امتدَّ منه من فَلسَفةٍ إلى ما سُمي أصول الدين.." انظر: اليمن الجمهوري، عبدالله البردوني، 464. 
3ــ يقول البحاثة اليمني محمد عزان: ".. وعلى الأرض تمكن الإمَام الهَادي من تأسيسِ دولةٍ ذات خلفيَّةٍ فكريةٍ معينة، تبنتْ النَّظَرِيَّة الجاروديَّة في الإِمَامَةِ إلى حد ما، لا تقليدًا لأبي الجارود، ولكن توافقًا معه في الأصُول العَامَّة. وعند ذلك برزت معَالم القول بحصْر الإمامَة، فكان الإمَامُ الهَادي أوَّل من صَرَّح من أئمَّةِ الزَّيْدِيَّة بذلك، فذكر في كتاب الأحْكام أنَّه يجب على المُكلَّف أن يعتقدَ أنَّ الإِمَامَة في ذرية الحسن والحسين دون غيرهم، وأنَّ الإِمَامَة من بعدهما من ذريتهما، من سَار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذى بحذوهما"
انظر: مجلة المسار، محمد عزان، 2002م، 26. وهي أيضا مفصلة في كتابه: قرشية الخلافة. 
مضيفًا: ولأن معظمَ الذين تمكنوا من الوصُول إلى الزَّعَامَةِ بعد الهَادي والحُكم من الزَّيْدِيَّة كانوا جَاروديَّة في فكر الإمامَة؛ فقد فرضوا ثقافتهم على المجتمعَاتِ التي سَيْطروا عَليها، كما هو حالُ أي سُلطةٍ تنشأ على أسَاسٍ فكري معين، واختزلوا الفِكر الزَّيدي في التيَّار الجارودي، فاعتبروا الزَّيدي من كان جَارُوديًا فقط. 
4ــ ذكر الباحث برنارد هيكل؛ نقلا عن المستشرق "مادلونج" أن المعتقدات الجارودية قد غَلبت على الأوسَاط الزَّيْدِيَّة منذ القَرْن الثالث الهجري، وقَدْ أثَّرتْ هَذِه الأفكار على الإمامين القاسم بن إبراهيم، وحفيده الهَادي يحيى بن الحسين. وأن الهَادي ـ خُروجًا على رأي القاسم ـ قد قَال إن أبا بكر وعمر كانا مرتدين، يَستحقان عُقوبة الإعْدام.
أنظر: الإصْلاح الديني في الإسْلام، تراث محمد الشوكاني، برنارد هيكل، نقله إلى العربية: علي محمد زيد. جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، ط:1، 2014م، 266.
5ــ يقول بدر الدين الحوثي ـ وهو والد الصريع حسين الحوثي، ووالد عبدالملك زعيم الجماعة حاليا:" الولاية بعد رسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي عليه السلام، ومن بعده لأخْيَار أهل البيت، الحسن والحسين وذريتهما الأخيار. والولايةُ لمن حَكمَ الله بها له في كتابه وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، رَضي النَّاس بذلك أم لم يرضوا، فالأمرُ إلى الله وحده، ولا دخْل للشُّورى". انظر: إرشاد الطالب، بدر الدين الحوثي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط:1، 1994م، 16
فأين الزيدية منه؟ وأين هو من الزيدية التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته. 
ــ الملاحظة الثانية: وهي ملاحظة مرتبطة بالأولى، جاء في سياق المادة المذكورة ما نصه: " وبين جماعة الحوثي الأثني عشرية". والواقع أن جماعة الحوثي ليست اثناعشرية؛ بل جارودية، متطرفة، والجارودية أكثر خطورة من الاثناعشرية، لأن الجارودية تقول بالخروج وإشهار السيف.. إلخ، ولذا فإنها لا تؤمن بالمهدي المنتظر، وهي الفكرة التي لا تسوقها الجماعة بين أتباعها، وغالبا ما تسكت عنها، بينما الاثناعشرية لا تقول بذلك، ولا تخرج على الحاكم، وهي تنتظر المهدي المنتظر فقط، وتمهد له النزول. وللباحث زايد جابر مقالة سابقة في هذا. وهو من الباحثين الجادين، وممن لهم اطلاع واسع على فكرة الجماعة. 
أخيرا.. نتمنى على علمائنا الأجلاء التثبت أكثر فيما يقولونه، في يبياناتهم أو فتاواهم أو كتبهم خاصة عن هذه الجماعة، وألا ينساقوا إلى بعض الأفكار التي تروجها الجماعة لنفسها. معتمدين على حضورهم الجماهيري دون التثبت العلمي السليم. فهذه الجماعة ليست زيدية، وإن ادعت لنفسها ذلك، بل جارودية متطرفة، كما أشرنا سابقا. 
يا معشر العلماء يا ملحَ البلد من يُصلح الملحَ إذا الملح فسد؟

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر