عبد الإله أنقع
عبد الإله أنقع
إلى إخوتنا في النسب والأصل والمصير (الإمارات)
الساعة 07:12 مساءاً

إخوتنا في المصير- و حتى في النسب و الأصل- في الإمارات ليسوا بحاجة إلى نصح أحد، فما وصلت إليه إمارات الخير من تطورٍ و نهوض يشي بنخبة حاكمة حكيمة و مسؤولة و ذات رؤية، و لكن سبحان الله قد يحدث أحياناً أن ينغمس ذوي الرؤى الكبرى في التفاصيل لدرجة يهملون معها بعض الأساسيات...
و لست أحاول هنا أن أبدو ناصحًا أو أن أشير بما لا يعلمه الإماراتيون و الذي نجحوا حتى الآن في بناء دولة رائعة و متقدمة و ذلك من لا شيء تقريبًا (في الحقيقة من لا شيء تماما ) فكيف لمواطن مثلي من إحدى الدول الفاشلة حسب معظم المعطيات المتوفرة أن ينصح واحدة من أنجح الإدارات في العصر الحديث....
بدأت الإمارات من العدم قبل عدة عقود و هاهي اليوم حديث الدنيا كلها بمدنها التي نبتت من العدم على ساحل الخليج العربي، و بجزرها الإصطناعية و مشاريعها الطموحة و مستوى الدخل المرتفع لساكنيها، و بصناعة الترفيه و الخدمات التي تجتذب إليها العالم كله..
و للتدليل على مستوى النجاح الذي وصلت إليه الإمارات فإننا يمكننا تذكر أنه في أزمان سابقة على سبيل المثال كان حلم الجميع الإحتفال ببداية كل عام ميلادي جديد في التايم سكوير بنيويورك أو في فيكتوريا هاربور بسيدني أستراليا، أما في الأعوام الأخيرة فالجميع لا يريد سوى الوقوف في منتصف الليل لنهاية و بداية العام أمام برج خليفة في دبي...
ذلك النجاح الذي حققته الإمارات بقيادتها الطموحة لم يقف عند حدود المظاهر التي لا تغني و لا تسمن من جوع، فمن يعيش أو عاش في الإمارات (و أنا لست أحدهم و لم أقم حتى بزيارتها حتى الآن ) سيخبرك عن مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة، و عن النهوض الحقيقي في كافة مناحي الإقتصاد، و عن كفاءة الحكم و نظام الإدارة و سهولة الإجراءات، و عن الأمن و الأمان..
و رغم ذلك كله فإن هنالك أمر لم يستطع إخوتنا الإماراتيون أن ينجحوا فيه حتى الآن، و ربما يحتاج الأمر إلى أن يتلقوا فيه بعض النصائح... ليس مني بالطبع !! و لكن عليهم أن يطبقوا ما تمليه نظم الإدارة التي يطبقونها بكل حذافيرها إلا في هذا الأمر...
ما أقصده أن الإمارات العزيزة و في غمرة صعودها تحت قيادة الشيخ زايد رحمه الله تعالى كانت تركز على هدفٍ واحد هو النمو و تجنب الصراعات، والشيخ زايد كان يعرف بالضبط من أين بدأ... لقد بدأ من لا شيء..! و بالتالي فهو رحمه الله كان يعرف جيدًا أين يقف و أين يجب أن يتجنب المغامرة..
غير أن من عقبه من أبناءه (وهم خير خلف لخير سلف و لا نقول فيهم إلا خيرًا).. أبناؤه يبدو أنهم لا يدركون تلك الحقيقة، و لقد كبروا و هم ينتمون لتلك الدولة التي لفتت أنظار العالم كله إليها، و تسلموا الحكم لدولة تكاد تنفجر خزائنها بالفوائض المالية، و بدا لهم أنهم قادرون على كل شيء، بما في ذلك التحكم في مصائر شعوبٍ و دول و مجتمعات تعاني احيانًا من العوز و أحيانًا من الفساد و سوء الإدارة أو كليهما معًا، و ذلك كي يضمنوا على ما يبدو إستمرار التفوق النسبي للإمارات، كما و ليشبعوا غريزة البشر الدائمة في التسلط و التحكم، و ذلك جزئيًا ممكن.. و لكن تنفيذه لا يحتاج فقط إلى المال...
يحتاج الأمر إلى أكثر من المال لتمتلك جزءًا من أراضي دولة أخرى...
يحتاج الأمر إلى اكثر من المال لتغيير الجغرافيا " و أنا هنا لا أتحدث عن صنع جزيرة على الشاطىء هنا أو هناك"...
و يحتاج الأمر إلى أكثر من المال لتغيير التاريخ أو لصنعه...
و يحتاج الأمر إلى أكثر من المال لتكوين إمبراطورية..
...
خلال أعوامٍ عديدة كونت الأمارات لنفسها سمعة طيبة بأنها واحدة من أنجح الدول في المنطقة، واستطاعت حتى الآن أن تحافظ على تلك السمعة الجيدة، كما استطاعت أن تكون قطبًا مهما في صناعة الخدمات و السفر و التجارة الدولية، و في سبيل تعزيز مكانتها تلك كونت لنفسها أذرع تجارية وإستثمارية كبرى، و ذلك لربط كل حركة التجارة العالمية بالمنطقة أو المتعلقة بها عن طريقها، و لكنها أكتشفت خلال ذلك السعي أن الميزة الوحيدة للإمارات و التي جعلتها مركزًا مهمًا للتجارة و السفر و المال و الترفيه ليس القدرات أو الميزات التنافسية الطبيعية... بمعنى آخر ليست الإمارات مركز كل ما ذكرناه أعلاه من صناعات خدمية لأنها تمتلك أفضل موقع في المنطقة، و ليست كذلك لأنها تمتلك أجمل التضاريس أو الأجواء أو الشواطىء، كما أنها لا تمتلك طبيعيًا أو ذاتيًا القوة البشرية اللازمة للنهوض.. بل في الحقيقة فإن ميزة الإمارات الوحيدة هي أنها وفرت ما لم يتوفر لدى من يمتلكون الميزات الطبيعية للموقع و المناخ و التضاريس و الموارد البشرية و الطبيعية... الإدارة الحكيمة و الإستقرار..
و إذا فإن أي نهوضٍ لأي من المراكز المحيطة بالإمارات في المنطقة سيكون مؤشرًا انحسار الدور الذي تلعبه حاليًا كنقطة يلتقي فيها الشرق و الغرب و يتم فيها تكديس الأموال باعتبارها جزيرة آمنة في محيط مضطرب..
بدا الأمر واضحًا مع بداية الربيع العربي الذي لم تكن أحداثه ربيعية بقدر ما كانت شتوية عاصفة…
و خلال السنوات التي تلت العام الأول للربيع، رأينا الإمارات رويدًا رويدًا تفرض رؤيتها في مناطق الإضطراب ( سوريا - ليبيا - اليمن ) بطريقة لم يُعرف من ملامحها سوى أنها كانت موجهة بالأساس نحو تنظيم الإخوان المسلمين و الذين يشكلون خطرًا و تهديدًا حقيقيًا لدولة مثل الإمارات قائمة وفق معاهدة اتحاد بين مجموعة إمارات شبه مستقلة يشكل الأجانب فيها أكثر من 90% من السكان، إذ أن تنظيم الإخوان المسلمين معروفٌ بأهدافه الرامية ليس فقط إلى النجاح في الوصول إلى السلطة في بلدان بذاتها و لكن أيضًا بقدرته على تكوين تنظيمات موالية له في بلدان لا وجود قانوني أو شرعي له فيها، و لقد شعر الإماراتيون بذلك واضحًا حين اكتشفوا مع بدايات الربيع العربي وجود إختراق منظم للمجتمع الإماراتي من قبل الإخوان، ربما ليس كبيرًا و لكنه مزعج جدًا و لقد كان السؤال الذي طرح نفسه ربما بداهة لدى حكام الإمارات هو "ما الذي يريده هؤلاء من محاولة الإنتشار في الإمارات؟ " و كانت الإجابة واضحة لهم دون كبير عناء … "إنهم يريدون ما يريدونه في جميع البلدان التي ينشطون فيها … الحكم"..
وما كان لهم أن ينتظروا أكثر … فلقد بدأوا في صنع تحالف ليس فقط عربي بل و دولي لضرب التنظيم الدولي للإخوان المسلمين حيثما وجدوا..
في مصر كان سقوط الإخوان نتيجة لذلك التحالف و في ليبيا و في أماكن أخرى..
و نظرًا للنصر الذي تحقق في تلك المعركة مع تنظيمات الإخوان فإن شهية الإنتصارات دفعت الإمارات إلى ما هو أكبر…
لقد أدركت الإمارات أنها في مرحلة مفصلية من التاريخ.. و كانت معركتها مع الإخوان في مصر و قدرتها على قلب الطاولة عليهم و دعم المناوئين لهم دليلها على أنها و في ظل الإضطرابات التي تسود المنطقة قادرة على صنع ما هو أكثر من دعم إنقلابٍ هنا أو تغيير نظام حكمٍ هناك …
لقد وجدت الإمارات أنها قادرة على أستغلال الفرصة و في غياب صناع التاريخ التقليديين وجدت نفسها تحاول صناعته هي..
و لقد بدا أنها كلما توغلت أكثر في محاولاتها تلك نجحت أكثر …
في مصر اكتفت الإمارات بأن يكون لديها نظام يتشارك معها نفس زاوية الرؤية و ذلك كافٍ فبلدٌ كمصر سيكون من الجنون محاولة التأثير فيه بأكثر مما تم…
و في سوريا كان حجم اللاعبين أكبر مما تستطيع إمارات الخير أن تجاريه..
و لكن في ليبيا على سبيل المثال كان الوضع مختلفًا، و ماتزال المحاولات تجري على قدم و ساق للتخلص من العدو و للتحكم بطريقة أو بأخرى في النخب الحاكمة..
ولكن بلدًا آخر يدعى اليمن سيكون موعودًا بخطةٍ إماراتية مختلفة..
سأكون مدعيًا إن قلت أنني أعرف ما الذي يسعى إليه إخوتنا الإماراتيون … و سأكون أبلهًا إن أدعيت أنهم لا يسعون إلى شيء سوى مؤازرة الشرعية و التخلص من أذرع إيران في المنطقة..
لا شك أن اليمن اليوم تمر بأسوأ وضع يمكن لأي بلدٍ في العالم أن يمر به … 
و لا شك أن ذلك يغري من يريد و من لا يريد لتجربة حظه في قضم ما يمكن قضمه، أو في أسوأ الأحوال تصفية حساباته ضد خصومه على أرضه..
ولكن الكثير من الخبثاء " أو لعلهم ثاقبي النظر من يدري؟" يقولون أن عين الإمارات موجهة نحو الحصول على قضمات..
عدن… بهدف التأكد من انها لن تكون يومًا من الأيام كما كانتت يوم لم تكن إمارات الخير موجودة بعد..
الجنوب اليمني بشكل كامل كي يتم التأكد من استمرار النزاعات في المنطقة و التي ستعطل حتمًا أي منافسة مستقبلية..
السواحل الغربية لليمن …. لنفس الغرض الخاص بعدن..
سقطرى … لأنها ببساطة جوهرة لا يجب أن تكون بيد هؤلاء اليمنيين الفقراء.. يجب أن تكون بيد الإمارات القوية الغنية المنظمة الواثقة و المتطورة..
ذلك ما يقوله الكثيرون..
و لقد طفا على السطح الكثير من المؤشرات التي تؤيد ما يقوله أولئك "الكثيرون" …
طوال العامين الماضيين سعت الإمارات "نحن لا نفتري هنا فهذا ما تقوله تقارير لجنة الخبراء المعينة من قبل مجلس الأمن في تقاريرها " -نقول- سعت الإمارات إلى تشكيل جماعات مسلحة تدين لها بالولاء و تأتمر بأمرها من السكان المحليين و على وجه الخصوص في المناطق الجنوبية من اليمن و في جزيرة سقطرى..
بالطبع الجميع يعرف لمن تدين له بالولاء قوات المجلس الإنتقالي و الحزام الأمني في عدن و النخبات في مناطق أخرى..
و يعرف الجميع كيف منعت تلك القوات مسنودة أحيانا بشكل مباشر من القوات الإماراتية الحكومة الشرعية من البقاء في عدن أو حتى الرجوع إليها …
كما يعلم الجميع ما تصنعه إمارات الخير في سقطرى …
و لعل الأخطر و الذي يقلق بشكل متزايد هو ما يحدث في سقطرى..
منع رئيس الوزراء و السلطة المحلية المعينة من رئيس الجمهورية من استخدام مرافق الجزيرة و الإنزال العسكري الموثق بالصور من قبل بعض الناشطين، كما و التصريحات لرسميين إماراتيين و آخرين شبه رسميين بأن الصلات وثيقة بين سقطرى و الإمارات و أنها تمتد عبر التاريخ.. كل ذلك لا يترك مجالا للخبثاء سوى أن يشكوا بأن إمارات الخير تنوي هبر تلك الجوهرة البعيدة نسبيًا عن مستنقع الصراعات اليمني المخزي..
و لأن هذه التكهنات تكاد تصبح أحيانا و كأنها الحقيقة، و لأننا في عالمٍ لم يعد أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث فيه، إذ يمكن بكل بساطة أن يقوم أحد المغردين على تويتر بنشر ما مفاده أن سقطرى إماراتية تاريخيًا "رغم عدم وجود ذلك التاريخ أصلا" و أنها جزءٌ من التراب الوطني الإماراتي، ليورط سياسيي التويتر ووسائط التواصل الإجتماعي في معضلة إعلانها كذلك، ربما سيسهل لهم ذلك كون الوضع اليمني مزرٍإلى أبعد الحدود، و لا يستغرب معه أن يدعي أي كان إمتلاك أي جزء من التراب اليمني دون أن يجد من يعترض عليه فعليًا..
و لكن ذلك في الحقيقة لن يكون له أي أثر قانوني في ظل استمرار فلسفة القانون الدولي الحالية.. 
و لذلك فإنني أدعو الإخوة في الإمارات إلى التريث قبل سلوك ذلك الطريق الذي لا يؤدي إلى شيء ، وعوضًا عن ذلك يجب أن يلجأوا إلى من يصنع لهم الكثير من الإجراءات قبل إقتضام سقطرى و بلعها..
يجب أولاً أن يزيلوا منظومة القانون الدولي السائدة حاليًا، و عليهم أن يقوموا بتغيير خرائط و معاهدات و ادبيات الأمم المتحدة و ذلك صعب جدًا و أسهل منه أن يلغوا الأمم المتحدة من الأساس خصوصًا و أن اليمن دولة مؤسسة للأمم المتحدة و كذلك المملكة المتحدة التي أورثت سقطرى للجمهورية التي استلمت منها ذلك الميراث..
و على الإخوة في إمارات الخير أن يوطنوا في سقطرى عشرات الألوف من البلوش و الفرس الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها من سكان الإمارات نفسها و ذلك ليسهل الإدعاء بأنها كانت دومًا و أبدا إمارة إماراتية..
كما يجب عليهم أن يمسحوا من التاريخ عدة آلاف من السنوات التي كانت فيها سقطرى يمنية..
و عليهم أن يمسحوا اللغة الأمهرية من الوجود كي لا يقال بأن سقطرى تتكلم اليمنية القديمة..
و عليهم أن يجدوا حلاً لكل الموسوعات الجغرافية سواء القديم منها أو الحديث و التي تتحدث عن كونها يمينة …
و عليهم أن يجففوا دم الأخوين من الشجر و أن يمنعوا الشواطىء من الهدير و العواصف من السفر …
و عليهم ليتأكدوا أن لا يشك أحد بما يقولونه أن يقطروا الجزيرة من مكانها أو أن ينبتوا بجوارها عدة جزر أخر..
و عليهم أن ينشروا في الهواء سمًا قاتلآ لنا كي لا يبقى من يعلم بأصل الجزيرة و أن يحذفوا من الفضاء كل تلك الصور..
….
لست ضد أن يقتطع الجميع ما يريدون من هذا البلد الذي تعفن تحت وطأة حقارة السياسيين و ضعفهم، و لست ضد أن تحرق البلد بأكملها بعد أن تقطع لألف قطعة لعلها تتخلص من التلوث الذي أصابها.. 
و لكن فليكن ذلك على يد دولٍ عظمى … إمبراطوريات حقيقية … و سيكون لدينا بعض العزاء في أننا فقدنا أجزاءنا في منازلة غير متكافئة.. 
سيكون لدينا عذرٌ حين نتحدث عن عجزنا بأننا واجهنا خصومًا لا قبل لأحدٍ بهم..
و لكن أن يتم ذلك على يد إمبراطوراية من ورق … فذلك معيب و مخزٍ..
أعتقد أن من حقي حينها أن أدعو إلى إنتحار جماعي …

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر