مصطفى ناجي الجبزي
مصطفى ناجي الجبزي
مأزق القضية اليمنية في الأروقة الدولية
الساعة 02:39 مساءاً
وفقا لمتابعتي لبعض الصحف والمنظمات والتصريحات السياسية الخاصة باليمن منذ فترة ليست بالقصيرة يمكنني الجزم أنه يكتنف القضية اليمنية لبس كبير. ولأسباب عديدة أصبحت الحرب في اليمن - التي هي في المنشأ بين حكومة معترف بها دوليا ولها شعبية نسبية في الداخل تعرضت لانقلاب تحاول استعادة الدولة التي اغتصبها تحالف انقلابي بين صالح والحوثيين – حرب بين السعودية والشعب اليمني الذي يمثله الحوثيون منفردين حاليا. كيف انجرفت السردية نحو هذا المنحنى؟ هذا السؤال يتطلب بحثاً جاداً وواسعاً لا يقتصر على مقال أو منشور قصير يستتبعه تقييم وأداء اقتراح حلول وأنا لا أدعي الشروع في هذا لكني سأكتفي بملامسة القضية بما تقتضيه الإمكانية والوقت. لكن ما أنا متأكد منه أن عكس هذه السردية وتثبيت سردية مختلفة نسبيا تقارب الواقع وتكرّم نضال اليمنيين يتطلبان جهوداً أكبر ذات طابع مؤسسي وعلى المدى المتوسط والبعيد. كانت صورة اليمني حتى منتصف العام 2014 هي مثال للتحول والحوار الوطني وربما ماركة نجاح فريدة للأمم المتحدة في رعاية انتقال سياسي. وكان يجري المزايدة على هذا البعد إلى حد كبير وربما هذا خلق أملاً كبيراً وفخراً أجوف لدى اليمنيين والأمميين والدبلوماسيين الدوليين العاملين على الملف اليمني. أو كان الحامل الرومانسي للانتقال هو الغالب وقاد إلى العمى عن إمكانية قلب الطاولة على الجميع وتغيير مجرى نهر الاحداث في اليمن على نحو دراماتيكي كما هو الحال منذ النصف الثاني في العام 2014. أولاً: الأحداث السياسية طغت عن الوقائع التنموية في اليمن وتركز الجهد على تسيير الانفراج في المشهد السياسي تفادياً لاستمرار الاحتراب بينما كانت هناك حقائق تنموية مخيفة هي جزء كبير من تشكيل المشهد السياسي المعقد. أقصد بذلك فجوة العدالة الاجتماعية والسياسية، انتشار الفقر، تدني مستوى التعليم، ارتفاع البطالة، أزمات مزمنة كشحة المياه وغياب الخدمات العامة وأيضاً وجود مناطق تعاني من افتقار للأمن الغذائي ومؤشرات مجاعة وانتشار للأوبئة وعجز الدولة عن مواجهة الكوارث الطبيعية المتتابعة. إلى جانب حقيقة سوء إدارة وترهل في تقاليد الدولة وفساد مالي وإداري منظم كانت ثورة الشباب قد قامت وحشدت طاقات الشعب اليمني من أجل تقويم هذا المسار والانتقال إلى مرحلة جديدة. ثانياً: اندلع الربيع العربي على شكل موجة أمل. فالعالم ينظر إلى الثورات نظرة رومانسية فيها تقدير حضاري وفيها امتنان لتحدي القمع. التحرر فكرة جذابة والعالم يغرق في هدنة تراجع قيمي كبير وتقرضه الرأسمالية من الداخل ويبحث عن نماذج خلاص. لكن الربيع العربي انتكس في أماكن كثير وأهم انتكاسة كانت في سوريا إذ تحول المشهد من ثورة سلمية إلى حرب مفتوحة وتهديد إرهابي عالمي. فانشغل العالم كثيراً أمام تواتر أخبار الموت والبراميل المتفجرة وإعادة تقسيم الخارطة في الشام وتمدد داعش. لذا كانت اليمن قضية هامشية في الرأي العام والصحف وزاد من ذلك أن مضت التسوية السياسية بهدوء وكادت تبلغ منتهاها. ثالثاً: كانت الثورات المضادة تمضي بوتيرة كبيرة وتخطيط أمتن والتهديدات الإرهابية العالمية والاخوانفوبيا وتجربتهم السيئة جداً في الحكم في مصر سهلت تشكيل ثورة مضادة ذات قبول دولي إلى درجة التفريط بالديمقراطية ونتائج الانتخابات. رابعا: كان العالم أمام مهمة كبيرة وهي إنجاح الاتفاق النووي مع إيران وفقاً لصفقة ترضي غرور الجانب الإيراني وتخفف من الاحتقان الدولي ويمنح إدارة اوباما نجاحاً مع الصافرة الأخيرة. فكانت التسويات في الشرق الأوسط التي تصب في صالح إيران هي المجال المتاح للإدارة الأمريكية حينها التي طوعت أنظمة بلداننا العربية لقبول هذه الصفقة وتبعاتها. أي كنا سلعة في صفقة عالمية. إلا أن متغيراً جوهرياً عكس هذه المعادلات وهو وفاة الملك عبد الله وتتويج الملك سلمان ملكاً للسعودية. ثم تبعه بعد فترة تغير الرئيس في أمريكا إثر صعود ترامب إلى الحكم ليعكس المقاربة الأمريكية تجاه إيران. رسمياً في اليمن كانت النخب السياسية و"الفكرية" - مع التحفظ الشديد على فكرية - تخضع خضوعاً كلياً للمتغيرات وتستجيب للخطة التي تقتضي بتمكين الحوثيين والقضاء على نقائضهم الأيديولوجية والعسكرية. وجماهيرياً كان الشعب اليمني يعيش في ذهول استيلاء الحوثيين على مقدرات الدولة وتقاعس مؤسسات الجيش التي نهبت جهده وماله ومقدراته في الدفاع عن الجمهورية. تشكلت مقاومة شعبية نابعة من إيمان الناس بالجمهورية والانتقال نحو يمن فيدرالي والقضاء على هيمنة المركز على القرار السياسي والاقتصادي والتمكين الاجتماعي. فرضت على اليمنيين حرباً لم يختاروها ولم يكونوا على استعداد لها. وتشرد الرئيس اليمني. ثم دخلت السعودية عبر التحالف العربي في المشهد اليمني وفقا لمقاربة المبادرة وتدخلت عسكريا. في هذه اللحظة استيقظ العالم ونظر إلى اليمن لأن دولة كالسعودية تدخلت. تدخلت لتربك الخطة من ناحية ولأن تدخلها كان جديداً وغير مألوفٍ. لم تخض السعودية حروباً منذ سنوات. وكأن الحرب من طرفها أمر غير مقبول. ودون الخوض في تفاصيل التدخل ونتائجه يجب أن نتذكر بأن صورة المملكة في الرأي العام الدولي صورة غير جميلة على الإطلاق. وهذا يعود إلى نظرة الناس إلى الثروة أولاً. ثانياً، علاقتها بالدولة القومية العربية منذ عقود وبالأنظمة في العالم العربي والإسلامي وتدخلاتها ذات الطابع الديني من خلال مد الفكر الوهابي الظلامي الذي ألصقت به كل تهم الإرهاب والتطرف. ثالثاً، حصر الإرهاب والتطرف بالإسلام السني وتصدر المملكة كمدافع عن السنة ضمن صراعها الإقليمي مع إيران كمدافع عن الشيعة. رابعاً، أن السعودية في تحالفها مع أمريكا ومع الجمهوريين أكثر فأكثر كانت خصماً مزمناً لليسار الأوروبي وهذا اليسار الذي يلوك خطاباً تقدمياً يكره فيه الرجعية ويجسدها في الشرق الأوسط بالممالك النفطية يرى في إيران نظاما تقدمياً وتربطه بها صلات وثيقة. سبق للدكتور عبد القادر الجنيد ان كتب في منشور له عن هذه النقطة بتوضيح أكبر وأدق. وأخيراً أن سجل المملكة الحقوقي سجل غير نظيف خصوصاً معاملة العمالة الأجنبية على سبيل المثال. ناهيكم عن أن المنظمات الدولية تبنت قضية رائف البدوي منذ سنوات لم تفلح في تشكيل ضغط حقيقي على المملكة من هذه الزاوية. محلياً، غادرت الحكومية أراضيها واستقرت طويلا في الرياض وهذا جعلها مغتربة عن الواقع اليمني. بالتأكيد هذه مقاربة نقدية اختزالية في النظر إلى الحكومة وموقعها وبالرغم من ان هناك أسباباً موضعية يمكن من خلالها فهم بعض جوانب هذا المنفى لكن ديمومتها هي أمر غير مقبول على الإطلاق. لان الإغتراب جعلها تغص في فساد مركب ينتقص من مشروعية القضية التي تحملها ومن صورتها في الداخل. يتحملها الناس لا لمحاسنها ولكن لأنهم لا يطيقون الحوثي ولا يرغبون بمشروعه العنصري الكهنوتي. الكارثة أن الحكومة اليمنية تماهت مع التحالف إلى الحد الذي ضاعت داخله ولم تترك لها حيزاً ومسافة للمناورة تدافع فيه من ناحية عن سيادتها تجاه أي انتقاص للسيادة حتى من التحالف عينه والدفاع عن القضية اليمنية بشكل معزول يكامل دور التحالف وينطلق من البلاغة اليمنية ومن الواقع اليمني. نحن الآن في ورطة. لا نستطيع ان ندافع عن قضيتنا دون الانزلاق في الدفاع عن السعودية وهو ليس ملفنا ويصعب الدفاع عنه من منظور سياسي أو حقوقي بحت لأن السعودية تدافع عن نفسها بحكم موقعها السياسي والاقتصادي العالمي ولديها الأدوات لفعل ذلك. المنظمات الدولية ومعها مؤسسات سياسية دولية أخرى تريد أن تكون اليمن معركة مناطحة لمواجهة السعودية والضغط عليها حتى وإن كان ذلك من خلال التضحية بجوهر الصراع في اليمن وتحويله الى عداء يمني سعودي يسفه أحلام ونضالات اليمنيين ويعظم موقع الحوثي في الخارطة السياسية والاجتماعية اليمنية لتتثبت حلول طائفية او ديمقراطية الطوائف لا دولة المواطنة. أو باختزال الأمر في وقف بيع السلاح والضغط على السعودية لوقف عملياتها الجوية وبهذا سيتمكن الحوثي من اجتياح المحافظات والدوس على رقاب الناس مجدداً. أو أيضا باختزال الشأن اليمني في الجانب الإنساني وتحميل التحالف كل تبعات الوضع الإنساني بينما هو ملف شائك وقديم ومتراكم. كما أن التعبير عن الملف الإنساني بصيع بلاغية وأساليب ترويج تجاري أمر مخجل من طرف منظمات هي حصيلة العقلانية والإحصاء كمنهج لفهم الظواهر. للمعركة اليمنية جبهات عديدة الجبهة العسكرية هي إحداها. لكن معركة تحسين أداء الحكومة واحدة من أهم الجبهات لتعزيز الثقة الشعبية المهزوزة نتيجة الفساد والممارسات المناطقية داخل الدولة. والجبهات السياسية والدبلوماسية والحقوقية هي التي يجب أن يعاد النظر فيها وتقييمها وتفعيلها لمواكبة الحدث العسكري وتصحيح الصورة وتوضيح القضية اليمنية وأخذ مسافة آمنة من دول التحالف تكامل دور دول التحالف لا تضيع في قضاياها ومعاركها. وسياسيا يجب إعادة صياغة التحالف العربي وتأطيره قانونياً بما يضمن استعادة الدولة لا تشظي اليمن. * نقلا عن المصدر اونلاين
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
الأكثر قراءة
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر